بسم الله الرحمن الرحيم
المشكلة التي حددها لنا النبي في هذا الزمان هي الفرقة وأن يكون بأسنا شديد الخلافات بين الإخوة المؤمنين والتنافس في الحطام الداني والتنافس في الرئاسات والتنافس في الانتخابات والتنافس في الإمساك برؤوس الأموال للسيطرة على الحياة الاقتصادية والرغبة في الاحتكار والاحتكار منهي عنه في شرع النبي المختار، وقال فيه صلى الله عليه وسلم {مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ}[1] أي أنه أخطأ طريق الجنة
فمن معهم مال ويشترون الدولارات من السوق ليحتكروها ويُغلون على خلق الله فقد أخطئوا طريق الجنة ومن يخبئون الأقوات ليعلوا سعرها وليسيطروا على سوقها ويكسبون أضعافاً مضاعفة من ثمنها فقد أخطئوا طريق الجنة ومن يريدوا أن ينفردوا بالاستيراد حتى يتحكموا في السوق ويُغلوا الأسعار كما يريدون فقد أخطئوا طريق الجنة
وهذا ليس نهج المؤمنين ولا سبيل المسلمين بل هو باب حرَّمه الله ونوَّه عنه بأحاديثه الصريحة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم فالفُرقة هي الداء الوحيد الذي حذرنا منه في هذا الزمان ولذا ينبغي على كل مسلم حريص على دينه حريص على وطنه حريص على بلده حريص على إخوانه المؤمنين أن يمد يده لإخوانه المؤمنين لنجتمع جميعاً على كلمة سواء ونجتمع على الأصول التي أنزلها لنا الله
ثم بعد ذلك نترك الخلافات إلى حين حتى يُصلح الله شأننا ويُذهب الله المشكلات من مجتمعنا ثم بعد ذلك نجلس سوياً لنصل إلى كلمة سواء توحد صفوفنا في الآراء التي نفترق فيها وفي الخلافات التي يشتد الرأي فيها لأنها كلها خلافات على أشخاص وليست خلافات على كتاب الله ولا على سُنَّة رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال صلي الله عليه وسلم { َيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنْ ثَلاثٍ: دِرْهَمٌ حَلالٌ، أَوْ أَخٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ، أَوْ سَنَةٌ يُعْمَلُ بِهَا}[2]
وضع الله في قرآنه الكريم قاعدة قرآنية لأمة النبي إذا ساروا عليها لن يعذبهم الله في الدنيا بزلازل ولا بخسف ولا بمسخ ولا بقذف ولا بجوع ولا بقحط ولا بعدو من سوى أنفسهم إذا ساروا على هذه القاعدة ما هذه القاعدة؟ {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33
دروع واقية أنزلها لنا الله تُحصننا من فتن هذا الزمان، وتجعلنا وإخواننا وأهل بلدنا جميعاً في أمان
الدرع الأول:
أن نعمل بشريعة النبي العدنان {وَأَنتَ فِيهِمْ} بشريعتك وسـنتك وســيرتك وأوصـافك الكريمة فإذا عملنا بشرع الله وحكَّمناه فزنا جميعاً بتوفيق الله ورعاية الله
الدرع الثاني:
لزوم الاستغفار وأن نداوم على الاستغفار لله والاستغفار يقول الله في روشتته في كتاب الله مبيناً فوائده لعباد الله {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }نوح10
يضمن النجاة في الآخرة لأنه يغفر للمستغفرين وفي الدنيا حاجات الإنسان إما لمال وإما لولد وإما لمطر من السماء وإما لعيشة طيبة تتوق إليها نفوسنا جميعاً نكون فيها في خير حال وذلك كله بابه وكنزه الاستغفار {يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً{12} نوح
وماذا وراء ذلك من الدنيا؟ بالإضافة إلى أنك إذا نظرت إلى قول الله{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} تجد أنه إذا جاء المدد مع المال كان فيه البركة فالقليل يُغني عن الكثير وإذا جاء المدد مع الولد كان باراً بأبيه مطيعاً له في كل الأحوال لا يغيظه ولا يشق عصا الطاعة عليه ولا يهجره ولا يتركه ولا يجفوه لأنه جاء مدداً من الله لهذا العبد المؤمن ولذا أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم وقال {مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[3]
ولزم أي داوم على الاستغفار ألسنا جميعاً في همٍ الآن؟! ألسنا جميعاً في ضيقٍ الآن؟ لِمَ لا نلجأ إلى الله ونستغفر الله؟ وقد كان الحبيب الذي يستجيب دعاءه الله يقول {يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّة}[4]
النبي يستغفر الله في اليوم مائة مرة ونحن لا نُحرك اللسان بالاستغفار ولو مرة والاستغفار لا يحتاج ضرورة إلى وضوء ولا إلى التواجد في المسجد ولا إلى الاتجاه للقبلة فيجوز أن أستغفر وأنا أسير في الطريق أو وأنا في المواصلات أو وأنا مضطجع أستعد للنوم
بل إن النبي صلي الله عليه وسلم قال فيمن يستغفر { من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، وأتوب إليه ، ثلاثا غُفِرت ذنوبه ، وإن كان فَارًّا من الزحف }[5]
لماذا لا تختم صحيفة يومك بالاستغفار للعزيز الغفار؟ نحن يا أمة الحبيب نحتاج في هذا الوقت العصيب إلى الاستغفار وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا شحت السماء بالماء وأخبروه أن الزرع والضرع أوشك على الهلاك والجفاف وخرج بهم لصلاة الاستسقاء كان يبدأ معهم أولاً بالتوبة إلى الله والاستغفار ثم بعد ذلك يُصلي بهم صلاة الاستسقاء وفى ذلك يقول العباس رضي الله عنه {ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة نصوح}
فتوبوا إلى الله وأديموا الاستغفار لله وبعد ذلك تخيروا الأوقات التي يستجيب الله فيها الدعاء وادعوا الله بصلاح الحال لبلادنا وبصلاح الحال لرجالنا وبصلاح الحال لكل أهلينا وأولادنا وبناتنا وعدم تمكن الأعادي جميعاً منا