بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
آثار معرفة الله
1 _ معرفة الله والتطور العلمي
لنفرض أن صديقا لك جاء من سفر وجلب لك معه كتابا بعنوان هدية , وقال لك أنه كتاب ثمين لأن مؤلفه من كبار العلماء , ذوي الخبرة والإطلاع , وهو ضليع في تخصصه , ويعتبر أستاذا نابغة 0
وبناء على ذلك سوف لا تقرأ الكتاب قراءة عابرة , بل بالعكس , تحاول أن تكون دقيقا في قراءتك الكتاب وتتمعن في عباراته, وحتى كلماته , وإذا لم تفهم عبارة منها فإنك تقضي الساعات , وربما الأيام المتوالية , تفكر في تلك العبارة كلما سخت لك الفرصة لعلك تدرك معناها لمعرفتك أن المؤلف ليس شخصا عاديا , بل هو عالم كبير لا يكتب شيئا إلا بحساب 0
ولكن إذا قالوا لك إن الكتاب وإن كان جميل المظهر , إلا أن مؤلفه رجل قليل المعرفة , ضعيف الدراية ولا يعتمد على أقواله 0 فلا شك أنك قد لا تلقي على الكتاب سوى نظرة عابرة , وإذا طالعتك جملة غير مفهومة قلت : هذا دليل على جهل لمؤلف , وإن الكتاب لا يستحق إضاعة الوقت الذي يقضيه المرء في مطالعته 0
إن عالم الوجود هذا أشبه بكتاب ضخم , كل كائن فيه يمثل كلمة أو جملة 0 فمن وجهة نظر الإنسان المؤمن بالله , تعتبر كل ذرة في هذا الكون جديرة بالدراسة 0 أن المؤمن _ وهو غارق في أنوار عبادة الله _ يباشر بدراسة أسرار الخليقة بكل دقة وتفحص ( وهذا مايساعد على تقدم العلوم الإنسانية ) , لأنه يعلم أن خالق هذه الأجهزة والنظم لا يدانيه أحد في علمه وقدرته , وأن لكل عمل من أعماله حكمة وغاية , لذلك فإنه يتحرى الدقة في دراسته وأبحاثه ليتسنى له إدراك أسرارها 0
أما الإنسان المادي فلا يملك دافعا يدفعه لدراسة أسرار الخليقة , لأنه يعتبر خالقها هو الطبيعة الصماء التي لا شعور لها 0 أما العلماء الماديون من المخترعين ومكتشفي العلوم الطبيعية , فإنهم غالبا ما يعترفون بوجود الله , وإن أطلقوا عليه اسم ( الطبيعة ) التي يرون في عملها ( نظاما ) و ( حسابا ) و ( تخطيطا ) 0
إذن عبادة الله وسيلة من وسائل تقدم العلوم 0
2 _ معرفة الله والسعي والأمل
عندما يواجه الإنسان الحوادث الصعبة والمعقدة والعوائق في حياته , وتبدو كل الأبواب وكأنها قد أغلقت في وجهه ويحس بضعفه ووحدته في مواجهة المشكلات , يهب إيمانه بالله إلى عونه وتقوية معنوياته 0
إن المؤمنين بالله لايرون أنفسهم لوحدهم ولا يحسون بالضعف , ولا ينتابهم اليأس , لأنهم يؤمنون بأن قدرة الله أكبر من كل مشكلة , وأن كل شيء عنده سهل يسير 0
إنهم يحتمون بلطف الله ورعايته وعونه , وينهضون لمقارعة الخطوب والصعاب مستفيدين من كل قواهم , يدفعهم حب الله والأمل فيه إلى الإستمرار في بذل المساعي , فيتغلبون على الصعاب والمشاكل 0
أجل , فالإيمان بالله سند عظيم للإنسان 0
الإيمان بالله مدعاة للثبات والشجاعة 0
الإيمان بالله يحيي في القلوب نور الأمل دائما
ولهذا لا يقدم المؤمن على الانتحار , لأن الاقدام على قتل النفس إنما هو دليل على اليأس والقنوط النابعين من الإحساس بالهزيمة , المؤمن لا ييأس ولا ينهزم 0
3 _ معرفة الله والشعور بالمسؤولية
ثمة أطباء إذا راجعهم مرضى فقراء فإنهم فضلا عن عدم مطالبتهم إياهم بأجرة العلاج والطبابة , يعطونهم ثمن الدواء أيضا , فإذا ما بل أحسوا بأن مريضهم في حالة خطرة قضوا الليل ساهرين إلى جنبه في بيته المتواضع 0 هؤلاء أناس يخشون الله ويؤمنون به 0
غير أن هناك أطباء آخرين لايتقدمون خطوة واحدة لمساعدة مريض قبل أن يتقاضوا أجرهم , وذلك لضعف إيمانهم 0
إن الإنسان المؤمن مهما كانت حرفته فإنه يشعر بالمسؤولية , ويعرف واجبه , ويعمل الخير ويكون متسامحا , إنه يشعر دائما بوجود رقيب في أعماقه يراقب أعماله 0
أما الإنسان غير المؤمن فإنه شخص أناني , عنيد , خطر , لايتحمل أية مسؤولية , ولا يرى غضاضة في ظلم الآخرين والاعتداء على حقوقهم , وقلما يقوم بأعمال صالحة 0
4 _ معرفة الله والإطمئنان
يقول علماء النفس إن الأمراض النفسية منتشرة في أيامنا هذه أكثر مما كانت في السابق 0
ويقولون إن أحد عوامل هذه الأمراض هو القلق _ القلق من حوادث المستقبل , القلق من الموت , القلق من الحرب , القلق من الفقر , والقلق من الإخفاق 0
ويضيف هؤلاء : إن مما يساعد على إزالة القلق من روح الانسان هو الإيمان بالله , فكلما نفذت عوامل القلق إلى نفس المؤمن أبعدها الإيمان بالله عنه _ ذلك الله الرحيم , الرزاق , العالم بأحوال عباده , الذي يعينهم كلما اتجهوا إليه في طلب العون , ويزيل عنهم دواعي القلق والخوف 0
ولهذا نجد المؤمن يعمل في الحق مطمئن النفس , لا مكان للقلق في نفسه 0 وبما أن المؤمن يعمل في سبيل , فإذا واجه ضررا يتوجه إلى الله يطلب منه دفع الضرر , والإبتسامة لا تفارق شفتيه حتى في ساحة الوغى 0
قال الله في كتابه الكريم :
[ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن ] 0
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
منقول للامانة