موقع سبيس باور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
موقع سبيس باور

موقع سبيس باور
 
الرئيسيةالرئيسية  التسجيلالتسجيل  دخول  
المواضيع الأخيرة
» انا افكر اذن انا موجود
إصلاح القلوب  Emptyالإثنين نوفمبر 13, 2023 12:39 am من طرف Peter Sarkis

» عودة حميدة لزرع بذرة إشراقة جديدة
إصلاح القلوب  Emptyالإثنين أكتوبر 02, 2023 4:32 am من طرف يوريكو

» اشتقت اليكم
إصلاح القلوب  Emptyالإثنين أكتوبر 02, 2023 3:49 am من طرف يوريكو

» بعض شخصيات ناروتو
إصلاح القلوب  Emptyالإثنين أكتوبر 02, 2023 3:04 am من طرف يوريكو

» لمحبي انميييييييي السراااااااااااااب
إصلاح القلوب  Emptyالإثنين أكتوبر 02, 2023 2:54 am من طرف يوريكو

» بضل الانسان طول عمرو بيتعلم
إصلاح القلوب  Emptyالجمعة أغسطس 18, 2023 2:14 am من طرف Achraf X

» عوده من جديد
إصلاح القلوب  Emptyالسبت يونيو 11, 2022 3:15 pm من طرف روح البداوه

» ارجو الغاء عضويتي في الموقع
إصلاح القلوب  Emptyالأحد يونيو 13, 2021 8:20 pm من طرف كاترين

» طلب الغاء العضويه
إصلاح القلوب  Emptyالأحد يونيو 13, 2021 1:13 am من طرف كاترين

» المنتدى صار كالاطلال
إصلاح القلوب  Emptyالأحد يونيو 13, 2021 1:10 am من طرف كاترين

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
اماني الانمي - 17362
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
يوسف ماحا - 14672
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
ساسوكي أوتشيها - 10093
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
marwaa - 8970
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
areej - 8635
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
عاشقة ترين هارتنت - 8090
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
●Kurapica● - 7850
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
هيتاكي كاكاشي - 7144
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
♥ احبك بصمت ♥ - 6294
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 
كاترين - 6129
إصلاح القلوب  Vote_rcapإصلاح القلوب  Voting_barإصلاح القلوب  Vote_lcap 

 

 إصلاح القلوب

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ahmed87
وشِمْ مُخلد !
وشِمْ مُخلد !
ahmed87


المساهمـــات : 1731
عُمرڪ ! : 30
الأعجـابــات : 10
أوسمتكك ! : إصلاح القلوب  RMHT8
جنسڪ ! : ذكر
العمل/الترفيه : في طاعة الله

إصلاح القلوب  Empty
مُساهمةموضوع: إصلاح القلوب    إصلاح القلوب  Emptyالجمعة يناير 28, 2011 6:37 pm

إصلاح القلوب


للشيخ/ عبد الهادي بن حسن وهبي
أمين وقف البخاري الخيري في عكار - شمال لبنان



المقدمه

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

أمَّا بعد : فإنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النَّار.

أما بعدُ : فإنَّ مِنْ أهمِّ ما يَنْبَغِي أن تُبذلَ له الأوقاتُ وتُنْفقَ له الجهودُ والمجهوداتُ هو علاج القلوبِ والسعي لصحتِها وسلامتِها من الأمراضِ والآفاتِ وسائرِ الذنوبِ ، وذلك لما للقلبِ من مكانةٍ في الإسلامِ عظيمةٍ ومنزلةٍ عاليةٍ رفيعةٍ .

ولمّا كان النّاس في هذه الأيّام في غفلةٍ عن قلوبهم ، جمعت هذا البحث بتوفيق الله تعالى، سائلاً المولى الكريم أنْ يصْلحَ بواطننا وظواهرنا ، ويوفقنا لما يحبّه ويرضاه في جميع أمورنا بمنّه وكرمه. والحمد لله ربّ العالمين .

الراجي رضى الرحمن

عبد الهادي بن حسن وهبي

أصول نفيسة في اصلاح القلوب

عَلَيْكَ ـ بارك الله فيك ـ بِحِفْظِ القلب وَإصْلاحِهِ وَحُسْنِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَبَذْلِ المَجْهُودِ ، فإنّه أكْثرالأعْضاء أَثَراً ، وَأَدَقُّهَا أَمْراً وَأَشَقُّهَا إِصْلاحاً ، وَأَذْكُرُ فِيهِ خمسةَ أُصُولٍ مُقْنِعَةٍ :

الأصْلُ الأول : القلب موضع نظر الله عزوجل

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : »إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ « 1.

فَالْقَلْبُ إِذنْ مَوْضِعُ نَظَرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيَا عَجَباً مِمَّنْ يَهْتَمُّ بِوَجْهِهِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَرِ الْخَلْقِ ، فَيَغْسِلُهُ وَيُنَظِّفُهُ مِنَ الأقْذَارِ وَالأَدْنَاسِ ، وَيُزَيِّنُهُ بِمَا أَمْكَنَهُ ، لِئَلاَّ يَطَّلِعَ مَخْلُوقٌ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ ، وَلاَيَهْتَمُّ بِقَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَر رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيُطَهِّرَهُ وَيُزَيِّنَهُ وَيُطَيِّبَهُ ، كَيْ لاَ يَطَّلِعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ عَلَى دَنَسٍ فِيهِ وَشَيْنٍ وَآفَةٍ وَعَيْبٍ ، بَلْ يُهْمِلُهُ بِفَضَائِحَ وَأَقْذَارٍ وَقَبَائِحَ ، لَواطَّلَعَ الْخَلْقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ، لَهَجَرُوهُ وَتَبَرَّؤوا مِنْهُ وَطَرَدُوهُ . واللَّهُ المُسْتَعَانُ .

الأَصْلُ الثَّاني : الْقَلْبُ مَلكٌ مُطاَعٌ وَرَئيسٌ مُتَّبَعٌ


إنَّ الأَعْضاءَ كُلَّها تَبَعٌ للقلب،فَإذَا صَلَحَ المتْبُوعُ صَلَحَ التَّبَعُ ، وَإِذَا اسْتَقَامَ المَلِكُ اسْتَقَامَت الرَّعِيَّةُ.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ... ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ » 2.

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لاَ يَسْتَقِيم إيمانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلاَ يَسْتَقِيم قَلْبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ « 3.

والمراد باستقامة إيمانه : استقامة أعمالِ جوارحه ، فإنَّ أعمالَ الجوارحِ لا تستقيمُ إلاَّ باستقامةِ القلبِ، ومعنى استقامة القلبِ أنْ يكونَ ممتلئاً منْ محبَّةِ الله ، ومحبَّةِ طاعتهِ ، وكراهةِ معصيتهِ .

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »من أحبَّ لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان « 4 .

ومعنى هذا أنَّ حركاتِ القلبِ والجوارحِ إذا كانت كلُّها لله فقد كمُلَ إيمان العبد بذلك ظاهراً وباطناً ، ويلزم من صلاح حركات القلبِ صلاحُ حركات الجوارح ، فإذا كان القلبُ صالحاً ليس فيهِ إلاَّ إرادةُ الله وإرادة ما يريده لم تنبعث الجوارحُ إلاَّ فيما يريده الله ، فسارعت إلى ما فيه رضاه ، وكفَّتْ عمَّا يكرهه ، وعمَّا يخشى أنْ يكونَ مما يكرهه وإنْ لمْ يتيقن ذلك 5 .

إذا علمت ذلك " وجبت العنايةُ بالأمور التي يصلحُ بها القلبُ، ليتَّصفَ بها ، وبالأمور التي تفسد القلب ليتجنبها " 6 .

الأصل الثالث : القلب كثير التقلُّب


عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : لا أقول في رجل خيراً ولاشراً،حتى أنظر ما يختم له ـ يعني ـ بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : وما سمعت ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » لقَلب ابنِ آدمَ أشدُّ انقلاباً من القِدْرِ إذا اجْتَمَعَتْ غَلَياناً «7 .

ومعلومٌ سرعةُ حركةِ القدْرِ 8.

وقال القائل :

مـا سُـمـِّـيَ الـقلـب إلاّ مـِنْ تقلُّبِه ..................... فـاحــذْر على القلــب من قَلْـبٍ وتحويل9

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن « 10.

فهنا يصوِّر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم القلب وكأنه ريشة لخفته ولتأثير الفتن عليه ، صغيرها وكبيرها تماما مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغير اتجاهها ؛ ولاستيقان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة كان يحلف : » لا ومقلِّب القلوب « 11 .

فأدْنى شيءٍ يخدشُه ويُدنِّسُه ويؤثِّرُ فيه ، فهو كأبيضِ ثوبٍ يكونُ ؛ يؤثِّرُ فيه أدنى أثرٍ ، وكالمرآةِ الصافية جدًّا ؛ أدْنى شيءٍ يؤثِّرُ فيها ، ولهذا تُشوِّشُهُ اللحظةُ واللفظةُ والشهوةُ الخفية12 .

الأصل الرابع : القلب عرضةٌ للفتن


عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَعرض الْحَصِيرِ عُوداً عُوداً ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَعُودَ القُلُوبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: قلبٍ أَسْوَدَ مُرْبَادّاً كَالْكُوزِ مُجَخِّياً لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَراً ؛ إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ، وَقَلبٍ أَبْيَضْ ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ«13 .

فشبَّه عَرْضَ الفِتَنِ على القُلوبِ شيئاً فشيئاً ؛ كعَرْضِ عيدانِ الحصيرِ شيئاً فشيئاً .

وقسَّمَ القلوبَ عندَ عرضِها عليها إلى قسمينِ :

قلبٌ إذا عُرِضَتْ عليهِ فتنةٌ أُشْرِبَها ؛ كما يُشْرَبُ السِّفَنْجُ الماءَ ، فتُنْكَتُ فيه نكتةٌ سوداءُ .

وفي حديث الإفك: قالت عائشة لأبويها رضي الله عنهم :" ـ والله يشهد إنِّي صادقة ـ ما ذاك بنافعي لكم ، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم .." 14 أي: حل فيها محل الشرب وقبلوه 15 .

إذا ما القــلب أشرب حـــبَّ شيءٍ ............................... فـلا تأمــل له عنـــه انصرافـــا



فلا يزالُ يُشْرَبُ كلَّ فتنةٍ تُعْرَضُ عليهِ حتى يَسْوَدَّ وينتكسَ ، وهو معنى قولِهِ : » كالكوزِ مُجَخِّياً « ؛ أي : مكبوباً منكوساً ، فإذا اسودَّ وانتكسَ عرضَ لهُ مِن هاتينِ الآفَتَينِ مرضانِ خطيرانِ متراميانِ بهِ إلى الهلاكِ .

أحدُهُما : اشتباهُ المعروفِ عليهِ بالمنكرِ ، فلا يعرِفُ معروفاً ، ولا يُنْكِرُ منكراً ، وربّما استحكمَ عليهِ هذا المرضُ حتى يعتقِدَ المعروفَ منكراً ، والمنكرَ معروفاً ، والسُّنَّةَ بِدعةً والبدعةَ سُنَّةً ، والحقَّ باطلاً والباطلَ حقّاً .

الثَّاني : تحكيمُهُ هواهُ على ماس جاءَ بهِ الرسولُ صلى الله عليهوسلم ، وانقيادُهُ للهوى واتِّباعُه لهُ .

وقلبٌ أبيضُ قد أشرقَ فيهِ نورُ الإيمانِ ، وأزهرَ فيهِ مصباحُهُ ، فإذا عُرِضَتْ عليهِ الفتنةُ أنكَرَهاَ وردَّها ، فازدادَ نورهُ وإشراقُه وقوَّتُه .

والفِتَنُ التي تُعْرَضُ على القلوبِ هي أسبابُ مرضِها ، وهي فِتَنُ الشَّهواتِ وَفِتَنُ الشُّبُهاتِ16. ففتنة الشبهات إمَّا باعتقاد خلاف الحقِّ الذي أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل به كتابه . كالذي ينفي علوّ الله على العرش ، ونزوله إلى السماء الدنيا ، وكلامه بحرف وصوت . وإمَّا بالتعبد بمالم يأذن به الله .

وأما فتنة الشهوات ففي قوله تعالى :(فلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) .

أي : لا تلنَّ في الكلام فيطمعَ الذي في قلبه فجور وزناءٌ .

قالوا : والمرأة ينبغي لها إذا خاطبت الأجانب أن تُغلظَ كلامها وتقوِّيَهُ ، ولا تليِّنَهُ وتكسِّرَهُ ؛ فإنَّ ذلك أبعدُ من الريبة والطمع فيها 17 .

فالأول : هو البدع وما والاه .

والثاني : فسق الأعمال .

ولهذا كان السلف يقولون : احذروافتنة العالم الفاجر،والعابد الجاهل؛فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .

الأصل الخامس :تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب


إنّ الأعمال لا تتفاضل بصُوَرِهَا وعَدَدِها ، وإنما تتفاضَلُ بتَفاضُلِ ما في القُلوبِ ، فتكونُ صورةُ العملينِ واحدةً ، وبينَهما في التَّفاضُلِ كما بين السماءِ والأرضِ ، والرَّجُلانِ يكون مَقامُهُما في الصَّفِّ واحداً ، وبين صلاتَيْهِما كما بينَ السَّماءِ والأرضِ ، وذلكَ أنَّ أحدهما مقبلٌ على الله عزوجل ، والآخر ساهٍ غافل ، فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه ، وأثقاله لمْ تخفَّ عنه بالصلاة ، فإنَّ الصلاة إنَّما تكفِّرُ سيئاتِ منْ أدَّى حقَّها ، وأكملَ خشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه .

وكلُّ قولٍ وفعلٍ رتَّبَ الشارع ما رتَّبَ عليه من الثوابِ، فإنّما هو القولُ التّامُّ والفعل التامّ ، كقوله صلى الله عليه وسلم : » مَنْ قَالَ : سبحانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِائة مَرَّةٍ ، حُطَّتْ عَنْهُ خَطاياهُ وَلَوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ «18 .

وليسَ هذا مرتباً على مجرَّدِ قولِ اللَّسانِ ، نعم مَنْ قالها بلِسانِهِ ، غافِلاً عن معناها ، مُعرِضاً عن تَدَبُّرِها ، وَلَمْ يُواطِئ قَلْبُهُ لسانَهُ ، ولا عَرَفَ قَدْرَها وحَقيقَتَها ، راجياً معَ ذلك ثوابَها ، حَطَّتْ من خطاياهُ بِحَسَبِ ما في قَلْبِهِ ...

فالعمل الذي يكفِّرُ الذنوبَ تكفيراً كاملاً هو العمل الكامل ، وأمَّا عملٌ شملته الغفلةُ ، أو لأكثرهِ ، وفقد الإخلاصَ الذي هو روحه ، ولمْ يقدِّرْهُ حقَّ قدْرهِ ؛ فأيُّ شيءٍ يكفِّرُ هذا ؟!

وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة ، وهما :

تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان .

وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه .

ومن لم يكن له فقه نفس في هذين الأمرين ومعرفة بهما، فإنه يفوته ربح كبير وهو لا يشعر .

وتأمَّلْ هذا الذي نحَّى غصن الشوك عن الطريق ، فعله إذْ ذاك بإيمانٍ خالص ، وإخلاص قائم بقلبه ، فغفر له بذلك ، وليس كلّ من نحّى غصن شوكٍ عن الطريق يغفر له .

وانظر وقتَ أخذِكَ في القراءةِ إذا أعْرضْتَ عن واجبها وتدبُّرها وتعقُّلها ، وفهم ما أريدَ بكلِّ آيةٍ ، وحظِّكَ من الخطابِ بها ، وتنزيلها على أدْواءِ قلبكَ والتقيُّدِ بها ، كيفَ تدْرِكُ الخَتْمَةَ - أو أكثرها ، أو ما قرأتَ منها - بسهولةٍ وخِفَّةٍ ، مستكثراً من القراءةِ ، فإذا ألزمتَ نفسكَ التدبُّرَ ومعرفةَ المراد ، والنَّظرَ إلى ما يخُصُّكَ منه ، والتعبُّدَ بهِ ، وتنزيلَ دوائهِ على أدْواءِ قلبكَ ، والاستشفاءَ به ، لمْ تكدْ تجوزُ السُّورةَ أو الآية إلى غيرها ، وكذلك إذا جمعت قلبكَ كلَّهُ على ركعتينِ ، أعطيتَهُما ما تقدرُ عليه من الحضورِ ، والخشوعِ والمراقبةِ ، لمْ تكدْ أنْ تصلِّي غيرهما إلاَّ بجهدٍ ، فإذا خلا القلب من ذلك عددْتَ الرَّكعاتِ بلا حسابٍ .

فهكذا الأعمالُ والعُمّالُ عند اللهِ ، والغافِلُ في غَفْلَةٍ عن هذا ... ولا ريب أنّ مجرد القيام بأعمال الجوارح ، منْ غير حضورٍ ولا مراقبةٍ ، ولا إقْبالٍ على الله قليل المنْفعة ، دنيا وأُخْرى ، كثير المؤنةِ ، فإنَّهُ - وإنْ كثُرَ - متعبٌ غير مفيدٍ .

وَلِمِثْلِ هذا المَعْنَى إنَّما وَقَعَ نَظَرُ أُولي الأَبْصَارِ مِنَ الْعُبَّادِ فِي مِثْلِ هذِهِ الدَّقَائِقِ ، وَاهْتَمُّوا بإحسان العمل ، وَلَمْ تُغْنِهِمْ كَثْرَةُ الأَعْمَالِ بِالظَّاهِرِ ، وجعلوا نصب أعْينهم قول الله تعالى:(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [ الملك: 2 ] .

وَأَمَّا الْذِينَ قَلَّ عِلْمُهُمْ ، وَكَلَّ في هذَا الْبَابِ نَظَرُهُمْ ، فَجَهِلُوا المَعَانِيَ ، وَأَغْفَلُوا أعْمال الْقُلُوبِ، وَاشْتَغَلُوا بِإتْعَابِ النُّفُوس بالُّركُوعِ وَالسُّجوُدِ ، وَالإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِ ، فَغَرَّهُمُ العَدَدُ وَالْكَثْرَةُ .وَمَا يُغْنِي عَدَدُ الْجَوْزِ وَلاَ لبَّ فِيهَا ؟ وَمَا يَنْفَعُ رَفْعُ السُّقُوفِ وَلَمْ تُحْكَم مَبَانِيهَا ؟ وَمَا يَعْقِلُ هذِهِ الْحَقَائِقَ إِلاَّ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ عزوجل ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى وَليُّ الْهِدَايَةِ بِفَضْلِه .

وكفى بهذه الأُصولِ واعظاً لمن اتَّعَظَ.وما يعقلها إلاَّ كلُّ ذي فهمٍ مستقيم .

علامات القلب السليم

قال الله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88 ـ89] . ولكن ما هي علامات القلب السليم ؟

العلامة الأولى : أَنْ يرتَحِلَ عن الدُّنيا حتى ينزلَ بالآخرةِ ، ويَحِلَّ فيها ، حتى يَبْقَى كأَنَّهُ مِن أهلِها وأَبنائِها ، جاءَ إلى هذه الدَّارِ غريباً يأْخُذُ منها حاجَتَهُ ، ويعودُ إلى وطنِه كما قال عليه السلام لعبدِ اللَّهِ بنِ عُمَر: » كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ أَو عابرُ سبيلٍ ، وعُدَّ نفسَكَ مِن أهلِ القُبورِ « 19.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنّ الدنيا قد ترحلت مدبرة ، وإنّ الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكلٍّ منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإنَّ اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ، ولا عمل .

فَـحَيَّ عـَلى جَـنّـَاتِ عَـدْنٍ فـإِنـَّها ..................... مَـنازِلُـكَ الأولى وفـيـهـا الـمُخَيَّمُ
ولكِنَّنا سَـبْـيُ الـعَـدُوِّ فَـهَـلْ تَـرَى نَــعُـودُ إلى أَوطـانِـنـا ونُسـَـلِّمُ

وكلما صحَّ القلبُ مِن مرضِه ؛ تَرَحَّلَ إلى الآخرَةِ ، وقَرُبَ منها ، حتى يصيرَ مِن أهلِها ، وكلَّما مَرِضَ القلبُ واعتَلَّ ؛ آثَرَ الدُّنيا واستوطَنَها ، حتى يصيرَ مِن أَهلِها .

العلامة الثانية : أَنْ يُنِيبَ إلى اللَّهِ ويُخْبِتَ إليهِ ، فلا فلاحَ ، ولا نعيمَ ، ولا سرورَ ؛ إلاَّ برضاه وقُرْبِهِ والأُنْسِ بِهِ ، فبهِ يطمئِنُّ ، وإليهِ يسكُنُ ، وإليهِ يأْوي ، وبهِ يفرَحُ ، وعليهِ يتوكَّلُ ، وبهِ يَثِقُ ، وإِيَّاهُ يرجو ، وله يخافُ .

فذِكْرُهُ غذاؤهُ وحياتُه ونعيمُهُ ولذَّتُهُ وسُرورُهُ ، والالتفاتُ إلى غيرِهِ والتعلُّقُ بسواهُ : داؤهُ ، والرُّجوعُ إليهِ : دواؤهُ .

قالَ أَبو الحسينِ الورَّاقُ : حياة القلبِ في ذِكرِ الحيِّ الذي لا يموتُ ، والعيشُ الهنِيُّ الحياةُ مع اللهِ تعالى لا غير .

العلامة الثالثة : أَنْ لا يَفْتُرَ عن ذِكْرِ ربِّهِ ، ولا يسأَمَ مِن خِدْمَتِه ، ولا يأْنَسَ بغيرِهِ ؛ إلاَّ بِمَنْ يَدُلُّهُ عليه ، ويُذَكِّرُهُ بهِ ، ويُذاكِرُهُ بهذا الأمرِ .

العلامة الرابعة : أَنَّهُ إذا فاتَهُ وِرْدُهُ20 وَجَدَ لفواتِه أَلماً أعظمَ مِن تأَلُّمِ الحريصِ بفواتِ مالِهِ وفَقْدِهِ ؛ كمن يحزن على فوت الجماعة ، ويعلم أنّه لوْ تُقُبِّلتْ منه صلاته منْفرداً ، فإنّه قدْ فاته سبعة وعشرون ضعفاً .

ولو أنّ رجلاً يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون ديناراً ؛ لأكل يديه ندماً وأسفاً ، فكيف وكلّ ضعفٍ مما تضاعف به صلاة الجماعة خيرٌ من ألف ، وألف ألف ، وما شاء الله تعالى ؟!

فإذا فوَّت العبد عليه هذا الربح قطْعاً ، وهو بارد القلب ، فارغ من هذه المصيبة ، فهذا من ضعف الإيمان .

وكذلك إذا فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته عليه ، ولوْ يعلم العبد فضيلته ؛ لجالد عليه ، ولكانت قرعة .

العلامة الخامسة : أَنَّهُ يشتاقُ إلى طاعة ربه ؛ كما يشتاقُ الجائعُ إلى الطَّعامِ والشرابِ .

العلامة السادسة : أَنَّهُ إذا دَخلَ في الصّلاةِ ذَهَبَ عنهُ همُّهُ وغَمُّهُ بالدُّنيا ، واشتدَّ عليهِ خروجُهُ منها ، ووجَدَ فيها راحتَهُ ونعيمَهُ ، وقُرَّةَ عينِه وسُرورَ قلبِهِ ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: »يا بلال ، أرحْنا بالصلاة « ولمْ يقلْ : أرحنا منها كما يقول المبْطلون الغافلون . وقال صلى الله عليه وسلم:» جعلت قرة عيني في الصلاة « .

فصاحب القلب السليم راحته وقرّة عينه في الصلاة ، والغافل المعرض ليس له نصيب من ذلك ؛ بل الصلاة كبيرة شاقة عليه ، إذا قام فكأنّه على الجمر حتّى يتخلص من واجب الصلاة ، وعجّلها وأسْرعها ، فهو ليس له قرّة عين فيها ، ولا لقلبه راحة بها ، فهي كبيرة على هذا ، وقرّة عين وراحة لذلك .

العلامة السابعة : أَنْ يكونَ هَمُّهُ واحداً ، وأَنْ يكونَ في اللّهِ تعالى . فهمّه طاعة ربه ، ورضا ربه ، وعفو ربه ، ومغفرة ورحمة ربه ( وَعَجِلتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ].

العلامة الثامنة : أَنْ يكونَ أَشَحَّ بوَقْتِهِ أَنْ يذهَبَ ضائِعاً مِن أشدِّ النّاسٍ شُحّاً بمالِهِ ؛ لأنَّه يرى عزّةَ وقتهِ وخطره وشرفه ، وأنّه رأس مال سعادته فيبخل به أنْ يضيعه فيما لا يقربه إلى ربّه ؛ فإنّ في إضاعته الخسران والحسرة والنّدامة ، وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة . فيشح بأنفاسه أنْ يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده .

العلامة التاسعة : أَنْ يكونَ اهتمامُهُ بتصحيح العملِ أَعظمَ منهُ بالعملِ ، فيحْرِصُ على الإِخلاص فيهِ والنَّصيحةِ والمُتابعةِ والإحسانِ ، ويشهَدُ مَعَ ذلك منَّةَ اللَّهِ عليهِ وتقصيرَهُ في حقِّ اللّهِ .

فهذه ستُّ مشاهدَ لا يشهَدُها إلا القلبُ الحيُّ السليمُ .

العلامة العاشرة: أنْ يكون سالماً من محبة ما يكرهه الله ، فدخل في ذلك سلامته من الشرك الجلي والخفي ، ومن الأهواء والبدع ، ومن الفسوق والمعاصي ـ كبائرها وصغائرها ـ الظاهرة والباطنة ، كالرياء ، والعجب ، والغلّ ، والغش ، والحقد ، والحسد ، وغير ذلك 21 .

عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أفْضلُ؟ قال: »كلُّ مخْمومِ القلب ، صدوقِ اللسانِ«.قالوا: صدوق اللسان نعرفه ، فما مخمومُ القلب ؟ قال : » هو التّقيّ النّقيّ لا إثْم فيه ، ولا بغي ولا غلّ ولا حسدْ« 22.

العلامة الحادية عشر: اتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم . عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : »يا أبا أمامة! إنّ من المؤمنين من يلين لي قلبه « 23.

ومعنى (يلين لي قلبه ) أي يسكن ويميل إليّ بالمودّة والمحبّة. والله أعلم .

وليس ذلك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر ، لأن الله تعالى جعل ذلك وحده دليلاً على حبه عزوجل ، فقال :(قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْببكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

أفلم يأن للذين يزعمون حبه صلى الله عليه وسلم في أحاديثهم وأناشيدهم ، أن يرجعوا إلى التمسك بهذا الحب الصادق الموصل إلى حب الله تعالى ، ولا يكونوا كالذي قال فيه الشاعر:

تعـصي الإله وأنت تظــهر حبــه ...................... هذا لعمـرك في القـــياس بديــع
فلـو كـان حبــك صادقـاً لأطعتـه إنّ المحـبّ لــمن يــحبّ مطيــع

العلامة الثانية عشر : الوجل عندْ ذكر الرحمن . والوجل خوف مقْرونٌ بهيبةٍ ومحبّةٍ .

قال سبحانه وتعالى :( وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحج:34-35].

وقال سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [ الأنفال:2] .

وقال عزوجل : (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)[المؤمنون:60 ].

وعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »إنّ لله آنية في الأرض ، وآنية24 ربّكمْ قلوب عباده الصالحين ، وأحبُّها إليه ألينها وأرقُّها « 25.

والمعنى أنّها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الشدّة والقسْوة.

عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : (وَالذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[ المؤمنون : 60 ] قالت : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون " ؟ قال : »لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون « 26 .

ومن تأمَّل أحْوال الصحابة رضي الله عنهمْ وجدهمْ في غاية العملِ مع غايةِ الخوفِ ، ويعدُّون أنفسهم من المقصِّرين المفرِّطين المذْنبين ، ونحن مع إساءتنا نعدُّ انفسنا من المحسنين.

وبالجملة ؛ فالقلبُ الصَّحيحُ : هو الذي همُّهُ كلُّهُ في اللَّهِ ، وحُبُّهُ كلُّهُ لهُ ، وقصدُهُ لهُ ، وبَدنُهُ لهُ ، وأَعمالُه لهُ ، ونومُهُ لهُ ، ويقظتُهُ لهُ ، وحديثُهُ والحديث عنهُ أشْهى إِليهِ مِن كُلِّ حَدِيثٍ ، وأَفكارُهُ تحوم على مراضيه ومحابِّه . فكلُّه بالله ، وكلُّه لله ، وكلُّه مع الله ، وسيرهُ دائماً إلى الله ، فهو مع الله مجرَّدٌ عن خلقهِ ، ومع خلقهِ مجرَّدٌ عن نفسه ... والله المستعان .

علاج القلوب

أولاً : قراءة القرآن الكريم بالتدبر .

قال الله عزوجل:(ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)[يونس : 57 ] .

وقال سبحانه وتعالى : (وَنُنَزِّلُ من الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [ الإسراء : 82 ] .

فسبحان من جعل كلامه شفاءً تامًّا لما في الصدور،فمن استشفى به صحَّ وبريءَ من مرضه ، ومن لم يستشْفِ به ؛ فهو كما قيل :

إذا بَـلَّ 27مِنْ دَاءٍ بـهِ ظَـنَّ أَنَّـــهُ ............... نجــَا وبِـهِ الدَّاءُ الّـَذي هُـو قَـاتِلُهْ

فيامن تبحث عن دواءٍ لقلبك دواؤك في القرآن .

ويامن تبحثين عن دواءٍ لقلبك دواؤكِ في القرآن .

فتدبر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه 28.

ثانياً : ذكر الله .

اعلم رحمك الله بأنَّ ذكر الله شفاء القلب ودواؤه ، والغفلة مرضه ، فالقلوب مريضة ، وشفاؤها في ذكر الله تعالى كما قيل :

إذا مرضــــنا تداوينـــا بذكركـــم .............. فنـــترك الذكـــر أحيانا فننتكس

وذكر الله يورث جلاء القلب من صدئه 29 . ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما ، وجلاؤه بالذكر ، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء . فإذا ترك الذكر صدىء ، فإذا ذكر جلاه .

وصدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر .

وذكر الله يورث حياة القلب ، والقلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء ، والغافل كالميت في بيوت الأموات . ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم ، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور ، كما قيل :

فنســيان ذكـر الله مــوت قلـوبهم .............. وأجــسامهم قبــل القبــور قبور
وأرواحـهم في وحــشة من جسـومهم وليـس لهـم حتـى النشـورنشور30

عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:» مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت « 31 .

وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله .

وذكر الله ينبه القلب من نومه ، ويوقظه من سنته ، والقلب إذا كان نائماً فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران ، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته ، شد المئزر، وأحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ، ولا تحصل يقظته إلا بالذكر، فإن الغفلة نوم ثقيل 32 .

واعلم : بأن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى .لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة ، اشتدت به القسوة ، فإذا ذكر الله تعالى ، ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عزوجل .

ثالثاً : العلم النافع .

اعلم رحمك الله بأنَّ القلب لا يخرج مرضه عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما.

وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صاحب الشجة الذي أفتوه بالغسل فمات: »قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ إنما شفاء العي السؤال «33. فجعل العيَّ ـ وهو عيُّ القلب عن العلم واللسان عن النطق به - مرضاً ،وشفاؤه سؤال العلماء .

فأمراض القلوب أصعب من أمراض الأبدان ؛ لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت ، وأما مرض القلب فيفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبديِّ،ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم .

قال بعض العارفين : أليس المريض إذا منع الطعام رالشراب والدواء يموت ؟ قالوا : بلى.قال : فكذلك القلب إذا منع عنه العلم والحكمة ثلاثة أيام يموت .

وصدق فإن العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه ، وحياته موقوفة على ذلك . فإذا فقد القلب العلم فهو ميت ، ولكنْ لا يشعُرُ بموتهِ 34.

وبالجملة ؛ فالعلم للقلب مثل الماء للسمك إذا فقده مات ، فنسبة العلم إلى القلب ، كنسبة ضوء العين إليها ، وكنسبة سمع الأذن ، وكنسبة كلام اللسان إليه ، فإذا عَدِمَهُ ، كان كالعين العمياء والأذن الصماء ، واللسان الأخرس 35.

والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها ، كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فيتكدر بها شاربه . وهي من تمام نفع الدواء ، فإنه أثارها ليذهب بها ، فإنه لا يجامعها ولا يشاركها . . . فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار الزبد والغثاء والخبث ، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يستقي منه الناس ، ويزرعون ويسقون أنعامهم . كذلك يستقر في قرار القلب الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره 36.

وليس هذا لكل علم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع 37.

رابعاً : محاسبة النفس 38.

اعلم رحمك الله بأنّ محاسبةَ النَّفسِ من الدواءِ الناجعُ لعلاجِ القلوب . ولمَّا تركَ النَّاسُ اليومَ محاسبةَ النفسِ عاشوا في الهموم والغمومِ .

قالَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه : " حاسِبُوا أنْفُسَكُم قبلَ أنْ تُحَاسَبُوا ، وزِنُوا أنْفُسَكُم قبلَ أَنْ تُوزَنوا ؛ فإِنَّهُ أهونُ عليكُم في الحسابِ غداً أنْ تُحاسِبوا أنْفُسَكُمُ اليومَ ، وتزَيَّنُوا للعَرْضِ الأكْبَرِ : ( يوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [ الحاقة : 18 ] " . وقال الفُضَيل بن عِياض : المؤمنُ يحاسب نفسه ويعلم أنّ له موقفاً بين يدي الله تعالى ، والمنافق يغفل عن نفسه ، فَرَحِمَ اللهُ عبداً نظر لنفسه قبل نزول مَلَك الموتِ بِه 39 .

ويعينه على هذه المحاسبة : معرفته أنّه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره ، وكلّما أهملها اليوم اشتدّ عليه الحساب غداً .

ويعينه عليها أيضا:معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس،والنظر إلى وجه الرب عزوجل ، وخسارتها : دخول النار والحجاب عن الرب تعالى ، فإذا تيقّن هذا هان عليه الحساب اليوم ؛ فحقّ على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطواتها .

ومُحاسَبَةُ النَّفْسِ نوعانِ : نوعٌ قبلَ العَمَلِ ، ونوعٌ بعدَه .

فأَمَّا النَّوعُ الأوَّلُ : فهو أَنْ يَقِفَ عندَ أَوَّلِ همِّهِ وإِرادتِه ، ولا يُبادِرَ بالعمَلِ حتى يتَبَيَّنَ لهُ رُجْحانُهُ على تركِه .

قالَ الحسنُ رحمهُ اللهُ:"رَحِمَ اللهُ عبداً وَقَفَ عندَ همِّهِ،فإِنْ كانَ لله مَضى،وإنْ كانَ لغيرِه تأخّر"

وشرحَ هذا بعضُهُم فقالَ : إذا تحرَّكَتِ النَّفْسُ لعملٍ من الأعمالِ ، وهَمَّ بهِ العبدُ ، وَقَفَ أَوَّلاً ونَظَرَ : هل الباعث عليه إرادةُ وجه الله عزوجل وثوابِهِ أو إرادةُ الجاهِ والثّناءِ والمالِ من المخلوق ؟ فإنْ كان الثاني لم يُقْدِمْ عليه ، وإنْ أفضى به إلى مطلوبه ، لئلاّ تعتادَ النّفسُ الشِّرْكَ ، ويخفَّ عليها العملُ لغير الله ، فبقدْر ما يَخِفُّ عليها ذلك يَثْقُلُ عليها العملُ لله تعالى ، حتىَّ يصيرَ أثقلَ شيءٍ عليها.

النَّوعُ الثَّاني : مُحاسَبَةُ النَّفْسِ بعدَ العَمَلِ :

وهو ثلاثةُ أَنواعٍ :

أَحَدُها : مُحَاسَبَتُها على طاعةٍ قصَّرَتْ فيها مِن حَقِّ اللهِ تعالى ؛ فلم تُوقِعْها على الوجهِ الَّذي ينبغي.

وحقُّ اللهِ تعالى في الطَّاعةِ ستَّةُ أُمورٍ ، وهي :

الإخلاصُ في العملِ .

والنَّصيحَةُ للهِ فيهِ .

ومُتابعَةُ الرَّسولِ فيهِ .

وشُهودُ مَشْهَدِ الإحسانِ فيهِ .

وشُهودُ مِنَّةِ اللهِ عليهِ .

وشُهودُ تَقصيرِهِ فيهِ بعدَ ذلك كلِّهِ .

فيُحَاسِبُ نَفْسَهُ : هل وفَّى هذه المقاماتِ حقَّها ؟ وهل أتى بها في هذه الطَّاعةِ ؟

الثَّاني : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تَرْكُه خيراً لهُ مِن فِعْلِهِ .

الثَّالثُ : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على أمْرٍ مُباحٍ ، أو مُعتادٍ : لِمَ فَعَلَهُ ؟ وهل أرادَ بهِ الله والدَّارَ الآخِرَةَ ؟ فيكونَ رابحاً ، أو أرادَ بهِ الدُّنيا وعاجِلَها ؛ فيَخْسَرَ ذلك الرِّبحَ ويفوتَه الظَّفَرُ بِهِ !

ضرر ترك المحاسبة :

وأَضَرُّ مَا عليهِ الإِهمالُ ، وتركُ المُحاسبَةِ والاسترسالُ ، وتسهيلُ الأمورِ وتمشِيَتُها ، فإِنَّ هذا يَؤولُ بِهِ إلى الهلاكِ ، وهذهِ حالُ أهلِ الغُرورِ ؛ يُغْمِضُ عيْنَيْهِ عنِ العواقِبِ ، ويُمَشِّي الحال ، ويَتَّكِلُ على العَفْوِ ؛ فيُهْمِلُ مُحاسَبَةَ نفسِهِ والنَّظَرَ في العاقبةِ ، وإذا فَعَلَ ذلك سَهُلَ عليهِ مواقَعَةُ الذُّنوبِ ، وأَنِسَ بها، وعَسُرَ عليه فِطَامُها، ولو حَضَرَهُ رُشْدُهُ لَعَلِمَ أَنَّ الحِمْيَةَ أَسْهَلُ مِن الفِطامِ ، وتركِ المألوفِ والمُعتادِ .

وجِماعُ ذلك : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ أوَّلاً على الفرائِضِ ، فإنْ تَذَكَّرَ فيها نَقْصاً تَدارَكَهُ ، إمَّا بقضاءٍ أو إصلاحٍ .

ثمَّ يُحاسِبُها على المناهي ، فإنْ عَرَفَ أَنَّهُ ارتَكَبَ منها شيئاً تدارَكَهُ بالتَّوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحِيَةِ.

ثمَّ يحاسِبُ نفسَهُ على الغَفْلَةِ ، فإنْ كان قد غَفِلَ عمَّا خُلِقَ لَهُ ؛ تدارَكَهُ بالذِّكْرِ والإقبالِ على الله تعالى .

ثمَّ يُحَاسِبُها بما تكلَّمَ بهِ ، أو مَشَتْ إليهِ رجلاهُ ، أو بَطَشَتْ يداهُ ، أو سمعَتْهُ أُذناهُ : ماذا أرادَتْ بهذا ؟ ولمَنْ فَعَلَتْهُ ؟ وعلى أيِّ وجهٍ فَعَلَتْهُ ؟ ويعلم أنه لا بد أن ينشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان : لم ؟ وكيف ؟ أي : لمَ فعلتَ ؟ وكيفَ فَعلتَ ؟ فالأوَّلُ : سؤالٌ عن علَّة الفعلِ ، وباعثِهِ ، وداعيهِ : هل هو حظُّ عاجلٌ مِن حُظوظِ العاملِ ، وغرضٌ مِن أغراضِ الدُّنيا في محبَّةِ المدحِ مِن الناس ، أو خوفِ ذمِّهم ، أو استجلابِ محبوبٍ عاجلٍ ، أو دفعِ مكروهٍ عاجلٍ ؟ أم الباعثُ على الفعلِ القيامُ بحقِّ العبوديَّةِ ، وطلبُ التودُّدِ والتقرُّبِ إلى الرَّبِّ سبحانه وتعالى ، وابتغاءُ الوسيلةِ إليهِ ؟

ومحلُّ هذا السؤالِ أنَّهُ : هل كان عليكَ أَنْ تفعَلَ هذا الفعلَ لمولاكَ ، أم فعَلْتَهُ لحظِّكَ وهواكَ؟

والثاني : سؤالٌ عن متابعةِ الرَّسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في ذلك التعبُّدِ ؛ أي : هل كان ذلك العمل ممّا شَرَعْتُهُ لك على لسانِ رسولي ؟ أم كانَ عملاً لم أشْرَعْهُ ولم أَرْضَهُ ؟

فالأوَّلُ: سؤالٌ عن الإخلاصِ ، والثاني : عن المُتابَعَةِ ؛ فإِنَّ اللهَ لا يقبلُ عملاً إلاَّ بِهِما.

فطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِ الأوَّلِ بتجريدِ الإخلاصِ .

وطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِ الثَّاني بتحقيقِ المُتابعةِ ، وسلامةِ القلبِ مِن إرادَةٍ تُعارِضُ الإخلاصَ ، وهوىً يُعارِضُ الاتِّباعَ . وقال تعالى : (فَوَرَبكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [ الحجر : 92 - 93 ] .

وقال تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب : 8 ].

فإذا سُئِلَ الصَّادقون وحُوسِبُوا على صِدْقِهِمْ فما الظَّنُ بالكاذِبِينَ ؟

وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) [ التكاثر : 8 ].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة ـ يعني العبد ـ من النعيم أن يقال له : ألم نُصحّ لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد «40 .

والنعيم المسؤول عنه نوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه ، فيسأل عن شكره . ونوع أخذ بغير حقه وصرف في غير حقه ، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه.

عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزولُ قدما عبدٍ حتَّى يسألَ عن عُمْرِهِ فيما أفناهُ ، وعنْ علمهِ فيما فعل ، وعن مالهِ منْ أينَ اكتسبهُ وفيما أنفقه،وعنْ جسمهِ فيما أبْلاهُ " 41 .

فإذا كانَ العبدُ مسؤولاً ومُحاسَباً على كلِّ شيءٍ ، حتى عَلى سَمْعِهِ وبَصَرِهِ وقَلْبِهِ ، كما قال تعالى : (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا)[ الإسراء : 36 ] ؛ فهُو حقيقٌ أنْ يُحاسِبَ نفسَهُ قبلَ أنْ يُنَاقَشَ الحسابَ 42 .

وقد دلَّ على وُجوبِ محاسبة النَّفسِ قولُه تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)[ الحشر : 18 ] . فأمر سبحانه وتعالى العبدَ أنْ ينظر ما قدَّمَ لِغد ، وذلك يتضمَّن محاسبة نفسه على ذلك ، والنظر : هل يصلُح ما قدّمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ؟ .

والمقصودُ مِن هذا النظرِ : ما يُوجبه ويقتضيه ، من كمال الاستعداد ليوم المعاد ، وتقديم ما يُنجيه من عذاب الله ، ويُبيض وجهه عند الله .

وكلّ ذلكَ إنّما يمكنُ بصبرِ ساعةٍ واحدةٍ . فانّ الساعاتِ ثلاث 43 : ساعةٌ مضتْ لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية . وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا ولا يدري ما يقضي الله فيها ؟ وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه .

فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة ، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى . ولا يطول أمله فيطول عليه العزم على المراقبة فيها ؛ بل يكون ابن وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري . وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحال .

إنَّ دواء محاسبة النفسِ نحن أحوج ما نكون إليه اليوم بعد تهالك الناس على الدنيا ، وسيرهم وراء الشهوات ، وتنافسهم في الفانياتِ ، وزهدهم في الباقيات الصالحات .

وهذا الدواء له فوائد جليلة ، وآثارٌ على مستعمله عظيمة :

مِنْهَا: الاطِّلاعُ عَلَى عُيوبِ النفس ونقائصها ، فيمكِنُهُ السَّعي في إصلاحها ، ومَن لَمْ يطَّلعْ عَلَى عَيْبِ نفسِهِ، لَمْ يُمْكِنْهُ إِزالَتُه، فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِها؛ مَقَتَها فِي ذاتِ اللهِ تَعَالَى.

وقالَ أَبو حفصٍ: "مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَى دَوامِ الأوقاتِ، ولم يُخالِفْها فِي جميعِ الأحوالِ، ولم يَجُرَّها إِلَى مكروهِها فِي سائِر أَوقاتِه؛ كَانَ مغروراً، ومَن نَظَرَ إِلَيْهَا باستحسانِ شيءٍ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَهْلَكَها".

فالنَّفْسُ داعيةٌ إِلَى المَهالِكِ، مُعينَةٌ للأعداءِ، طامِحَةٌ إِلَى كلِّ قبيحٍ، مُتَّبِعَةٌ لكُلِّ سوءٍ، فَهِيَ تَجْرِي بطَبْعها فِي ميدانِ المُخالَفَةِ. ومن فوائد محاسبة النفس : أنها توجب للعبد الإمساك عن الخوض في عيوب الناس ، فإنَّ من شغل بعيب نفسه لمْ يبق لديه من الوقت ما ينفقه في الحديث عن عيوب الناس ، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه ، وتفرَّغَ لعيوب الناس .

ومِنها: أَنَّهُ يعرِفُ بذلك حقَّ اللهِ تعالى؛ ويورِثُهُ مَقْتَ نفسِه، والإزراءَ عَلَيْهَا، ويُخلِّصُه مِن العُجْبِ ورُؤيَةِ العملِ، ويفتَحُ لَهُ بابَ الخضوعِ والذُّلِّ والانكسارِ بينَ يدي ربِّهِ، واليأْسِ مِن نفسِهِ، وأَنَّ النَّجاةَ لاَ تحصُلُ لَهُ إِلاَّ بعفوِ اللهِ، ومغفرَتِهِ ورحمتِه، فإِنَّ مِن حقِّهِ أَنْ يُطاعَ وَلاَ يُعْصَى، وأَنْ يُذْكَرَ فلا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ.

فَمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا الحقِّ الَّذِي لربِّهِ عَلِمَ علمَ اليقينِ أَنَّهُ غيرُ مؤدٍّ لَهُ كَمَا ينبغي، وأَنَّهُ لاَ يسعهُ إِلاَّ العفوُ والمغفرةُ، وأَنَّهُ إِنْ أُحيلَ عَلَى عملِهِ هَلَكَ.

فمحاسَبَةُ النَّفْس هِيَ نظرُ العَبْدِ فِي حقِّ اللهِ عَلَيهِ أَوَّلاً.

ثُمَّ نَظَرَهُ: هَلْ قامَ بِهِ كَمَا يَنبغي ثانِياً.

وأَفْضَلُ الفكرِ الفِكْرُ فِي ذَلِكَ، فإِنَّهُ يُسَيِّرُ القلبَ إِلَى اللهِ ويَطْرَحُهُ بينَ يديهِ ذَليلاً، خاضِعاً مُنْكَسراً كَسْراً فِيهِ جَبْرُه، ومفتقراً فقراً فِيهِ غِناهُ، وذليلاً ذُلاًّ فِيهِ عِزُّهُ، وَلَوْ عَمِلَ مِن الأعمالِ مَا عساهُ أَنْ يعْمَلَ؛ فإِنَّهُ إِذَا فاته هَذَا؛ فالذي فاتَهُ مِن البرِّ أفضلُ مِن الَّذِي أتى بِهِ44 .

وما أحوجنا في هذه اللحظة ، أنْ نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل ، من قبل أنْ تأتي ساعة الحساب ، وإنّها لآتية .

على الماضي ، فنندم على الأخطاء ، ونستقيل العثرات ، ونقوّم المعوّج ، ونستدرك ما فات ، وفي الأجل بقية ، وفي الوقت فسحة لهذا الاستدراك .

وعلى المستقبل فنعدُّ له عدته من القلب النقي ، والسريرة الطيبة ، والعمل الصالح ، والعزيمة الماضية السباقة إلى الخيرات . والمؤمن أبداً بين مخافتين:بين عاجلٍ قدْ مضى لا يدْري ما الله صانعٌ فيه ، وبين آجلٍ قدْ بقي لا يدْري ما الله قاضٍ فيه ، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم ، ومن الحياة قبل الموت .

ما أعظم رقابة الله على عباده : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَن الْيَمِينِ وَعَن الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقيب عَتِيدٌ)[ق:16-18].(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80] .

وما أدقّ الحساب يوم الجزاء:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )[الزلزلة:7-8](وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [ الأنبياء : 47 ] .

وأخيراً : فينبغي على الواحد منا أنْ يجلس "عندما يريد النوم لله ساعةً يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ، ثمّ يجدد له توبةً نصوحاً بينه وبين الله ، فينام على تلك التوبة ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ ، ويفعل هذا كل ليلة ،فإن مات من ليلته مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسروراً بتأخير أجله،حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته وليس للعبد أنفع من هذه النومة،ولا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله واستعمال السنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم ، فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك ، ولا قوة إلا بالله" 45.

خامساً : أكل الحلال واتّقاء الشبهات .

عن النعمان بن البشير رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ ، وبينهما أُمورٌ مشتَبهاتٌ ، لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من النَّاسِ ، فمن اتَّقى الشُّبهاتِ استبرأ لدينه وعرضهِ ، ومنْ وقعَ في الشُّبهاتِ وقعَ في الحرامِ ، كالرَّاعي يرعى حولَ الحمى يوشكُ أنْ يرتعَ فيهِ ، ألا وإنَّ لكلِّ ملِكٍ حمىً ، ألا وإنَّ حمى الله محارمهُ ، ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلَحَتْ صلَحَ الجسد كلُّه،وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي القلب " .

فقد دلّ هذا الحديث على أنّ أَكْلَ الحلال ، يصلح القلب ، وأَكْلُ الحرام والشُّبهة يفسده. ويُخاف على آكل الحرام ، والمتشابه ، ألاَّ يُقْبَل له عملٌ ، ولا تُسمع له دعوةٌ .أَلاَ تسمع قولَه تعالى : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [ المائدة : 27 ] وآكلُ الحرام ، المسترسلُ في الشبهات ليس بمتَّقٍ على الاطلاق . وقد عضد ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم : » أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )[ المؤمنون : 51 ] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ )[ البقرة : 172 ] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ،فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! «46.

عند هذا يعلم الواحدُ منَّا قدر المصيبة الَّتي هو فيها ، وعظم المحنة الَّتي ابتُلي بها ؛ إذ المكاسبُ في هذه الأوقات قد فسدت ، وأنواع الحرام والشُبهات قد عمّت ، فلا يكاد أحدٌ منَّا اليوم يتوصل إلى الحلال ، ولا ينفكُّ عن الشُّبهات . فإنَّ الواحدَ منَّا ـ وإن اجتهد فيما يعمله ـ فكيف يعمل فيمن يعامله ، مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات ، وقلَّة من يتقي ذلك من جميع الأصناف ، والطبقات ، مع ضرورة المخالطة ، والاحتياج للمعاملة . وعلى هذا : فالخلاصُ بعيدٌ ، والأمر شديدٌ ، ولولا النهي عن القنوط واليأس ، لكان ذلك الأولى بأمثالنا من الناس . لكنَّا إذا دفعنا عن أنفسنا أصولَ المحرَّمات ، واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشُّبهات ، فعفو الله تعالى مأمول ، وكرمه مرجوُّ ، فلا ملجأ إلا هو ، ولا مفزع إلا إليه ،ولا استعانة إلا به،ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم 47 .

خشوع القلب

مدح الله سبحانه وتعالى في كتابه المخبتين له،والمنكسرين لعظمته،الخاضعين والخاشعين لها.قال سبحانه وتعالى : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [ الأنبياء : 90 ] .

وقال قال الله عزوجل:(وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ)إلى قوله:(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 35 ] .

ووصف سبحانه وتعالى المؤمنين بالخشوع له في أشرف عباداتهم التي عليها يحافظون ، فقال :(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[ المؤمنون : 1 و 2 ] .

ووصف الذين أوتوا العلم بالخشوع حين يكون كلامه مسموعاً ، فقال :(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [ الإسراء : 107 ـ 109 ] .

وقال عزوجل :( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ....)[ الحديد:16 ] .

فهذه الآية تتضمن توبيخاً وعتاباً لمن سمع هذا السماع ، ولم يحدث له في قلبه صلاحاً ورقة وخشوعاً، فإن هذا الكتاب المسموع يشتمل على نهاية المطلوب ، وغاية ما تصلح به القلوب ، فإن القلوب إذا أيقنت بعظمة ما سمعت ، واستشعرت شرف نسبة هذا القول إلى قائله ، أذعنت وخضعت . فإذا تدبرّت ما احتوى عليه من المراد ووعت ، اندكت من مهابة الله وإجلاله ، وخشعت ...

ومتى فقدت القلوب غذاءها ، وكانت جاهلة به ، طلبت العوض من غيره ، فتغذت به ، فتعوّضت عن سماع الآيات ، بسماع الأبيات ، وعن تدبر معاني التنزيل ، بسماع الأصوات 48.

وأصل الخشوع : هو : لين القلب ورقَّته وسكونه وخضوعه وانكساره ، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له 49.

وقد وصف الله سبحانه وتعالى في كتابه الأرض بالخشوع فقال : (ومِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [ فصلت : 39 ] ، فاهتزازها وربوها ـ وهو ارتفاعها بالرَّيِّ والنب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
avatar



إصلاح القلوب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح القلوب    إصلاح القلوب  Emptyالسبت يناير 29, 2011 12:31 pm

إصلاح القلوب  Jazak
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nrmen
عنِوآن آلتميزُ
عنِوآن آلتميزُ
avatar


المساهمـــات : 1182
الأعجـابــات : 10
جنسڪ ! : انثى

إصلاح القلوب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح القلوب    إصلاح القلوب  Emptyالأحد يناير 30, 2011 10:23 am

جزاك الله عنا كل خير :o
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إصلاح القلوب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع سبيس باور :: القسم الاسلامي :: خُطوَة إلى الجنّه ♡ :: أرشيف القسم-
انتقل الى: